الفارس العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الفارس العالمى


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الشبهات والرد عليها

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ashraf
المدير
المدير
ashraf


عدد الرسائل : 318
العمر : 36
تاريخ التسجيل : 28/05/2007

الشبهات والرد عليها Empty
مُساهمةموضوع: الشبهات والرد عليها   الشبهات والرد عليها Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 12, 2007 1:05 am

الشبهة الأولى: بعض أفعاله تعالى بعيد عن الحكمة - ظاهراً -

لقد تحدثنا في فصل حكمة أفعال الله وبيّنا هنالك أن الإنسان لا يستطيع أن يحيط الوجود علماً ومعرفة فلربما يرى شيئاً يعتبره ضاراً وسلبياً وبعد فترة يكتشف أثره الإيجابي في الحياة فغياب الحكمة عن الإنسان ليس دليلاً على عدم وجود الحكمة وأوضحنا كذلك فكرة الضرورة التكوينية في الخلق فجزء من خلايا الإنسان ظاهر وجزء غير ظاهر وجزء في ظلمات التجاويف الداخلية وجزء في الواجهة الظاهرية ولابد من التكاملية وتوزيع الأدوار كضرورة تكوينية - الواحد يكمل دور الآخر - فلربما الأول غير ظاهر الحكمة ولكنه ضروري لإظهار حكمة الثاني - وهكذا -.

فإذن لا يوجد من أفعال الله بعيد عن الحكمة وإنما قد يتوهم قاصر النظر ذلك. فكل أفعاله وأحكامه حكيمة وهادفة ولا عبرة بالتوهم البيّن خطأه.


الشبهة الثانية: شبهة خلق الكافر والمنافق والشقي

بيان الشبهة: إن الله تعالى يعلم بكفر الكافر وكذب المنافق وظلم الشقي من بداية حياتهم وقبل ارتكابهم للمعاصي وهذا العلم لابد أن يتحقق فلو لم يتحقق يعني أن هذا الأمر قد خالف علم الله أو بمعنى آخر كان الله جاهلاً أو خاطئاً في حالة عدم الوقوع - والعياذ بالله - ومن جهة أخرى إن الكافر لا يستطيع إلا أن يكفر والمجرم لابد أن يعصي وذلك تصديقاً لعلم الله عز وجل.

والجواب على الجزء الثاني من الشبهة قد تحدثنا عنه فيما سبق بالجبر والتفويض في الأعمال والتصرفات أما الجزء الأول من الشبهة فمن الممكن أن يكون لأول وهلة من الأمور العصيبة لكن ببعض الوضوح نلاحظ انقلاب السحر على الساحر - ففي الحقيقة إن العلم بالشيء لا يصنع واقع ذلك الشيء بل لا يؤثر في تحقيقه أبداً كما أنك تعلم أن القوة الكهربائية بإمكانها أن تقتل الإنسان لو مسّها مباشرة وكذلك تعلم أن أمواج البحر المتلاطمة لا تتحطم على صدر الإنسان بل هو سيتحطم أمام ضربات أمواج البحر العاتية فيموت الإنسان المعترض لها وأنت تعلم أن الطفل لو سقط من الطابق العاشر إلى الأرض سيموت.. وإذا دهسته سيارة كبيرة سيموت أيضا.. هذا العلم واليقين هل يصنع الموت لأخي وصديقي وطفلي فلو قدّر أن مات صديقي بالكهرباء أو بالغرق أو مات الطفل سحقاً بالسيارة هل أن علمي المسبق بالنتيجة هو السبب في ذلك؟ ونفس المثال ينطبق على علمي بأن الأخ المنحرف الذي اختار طريق الفساد إلى آخر حياته فإنه سيهلك في النار فهل إني أدخلته هذه المهلكة لمجرد علمي بالنتيجة؟ وخاصة لو عرفنا أن المسألة محاطة بمجمل أسباب ومسببات وعلل ومعلولات وهذا ما يفسره قول النبي نوح (عليه السلام) كما ورد في القرآن الكريم:

(إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفّاراً). [سورة نوح، الآية27].

هذا العلم من النبي (عليه السلام) بنتيجة أبناء المنحرفين هل إنه هو السبب في انحرافهم وهل من عاقل يدّعي ذلك؟ والمعروف أن رسالة الأنبياء هي رسالة الإصلاح والتغيير ولكن هذه القناعة بانحراف الأجيال القادمة من أولاد المنحرفين وجدت للنبي نوح (عليه السلام) عبر أسباب ومسببات وتجارب وخبرات، إضافة لذلك نلاحظ أن الإنسان في وجدانه يعرف أنه مخيّر في أعماله وسلوكه وقد مر معنا - في موضوع الجبر والتفويض - فبمجرد علمي بأن أحد طلابي مثلاً سيختار فرع الرياضة البدنية في دراساته الجامعية أو كاختصاص في دراسته العليا وعلمي بأن احدهم سيختار الطب البشري اختصاصاً مفضلاً وله القابلية في ذلك هل إني صنعت الاختيار لهما أم أن الطالب بملء إرادته وخصوصياته المتأثرة بمجمل الأسباب المحيطة والموروثة أحياناً ومن جملتها الدرجة المؤهلة والاستعداد النفسي وغيرهما فبالنتيجة يختار لنفسه مستقبله فإذن مجرد علمي بالنتائج ليس هو السبب الصانع للواقع الخارجي كما هو معروف من خلال الأمثلة المتعددة.

وهكذا بالنسبة للشقي والظالم حيث تساهم الظروف غير المستقيمة في خلق هذه النفسية الدموية المتكبرة فمثلاً ابن الزنا وآكل مال اليتيم وآكل الحرام، صحيح أن هؤلاء قد أثرت فيهم الظروف التعيسة التي جنت عليهم من آبائهم أو محيطهم كما ورد في الأثر (السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه) أو من أعمالهم الشريرة كشرب الخمر والمقامرة والربا... ولكن هذه الظروف بشكل أو بآخر تخلق عنده حب العمل الشرير ضمن مناخ نفسي مناسب ومع ذلك فإن ممارسة العمل الانحرافي بحاجة إلى قرار الإنسان حيث الاختيار الإرادي فبإمكان ابن الزنا أن يحترم حقوق الناس ويطيع الله ويحافظ على استقامته ليتقرب إلى الله وبإمكانه أن ينتقم ويبطش بالمجتمع متى ما سنحت له الفرصة للانتقام ثأراً من الجناية على أمه. لذلك نلاحظ صلاحية ابن الزنا في الإسلام أقل من صلاحيّة ومنزلة الابن الشرعي ومع ذلك فأمام ابن الزنا فرص للاستقامة وإن كان الأمر فيه نوع من الصعوبة كالتائب من الذنب فبإمكانه أن يتوب ويعود إلى الطريقة المستقيمة التي يختارها لنفسه مخالفةً لهواه.

إذن فالمسألة طبيعية وليست خادشة لعدل الله سبحانه حيث خلق الله الكافر والمنافق والشقي وذلك لأن الله قد وفّر فرصاً متساوية للجميع لغرض الاختيار وزوّدهم بالعقل المميّز والمدرك للمصلحة وهو العادل (سبحانه) وميزانه دقيق فقد قال في محكم كتابه الكريم:

(فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره). [سورة الزلزلة، الآيتان 7-8].

و(إن الله لا يظلم مثقال ذرة...). [سورة النساء، الآية 40].

بل إن ميزانه العادل في منتهى الدقة والعدالة فالله سبحانه يقدّر لهذه الظروف المحيطة بالشقي التي سببت قلقه من دون إرادته ومدى معاناته من هذه الظروف القاسية التي جاءته عبر معاصي أبيه مثلاً فكل الأمور تؤخذ بالحسبان في ميزانه يوم القيامة وتبقى في الدنيا مسألة الاختيار بيد الإنسان فكم من الأولاد الشرعيين هم وقود جهنم لانحرافهم وكم من الأولاد غير الشرعيين تظهر استقامتهم في الدنيا لإصرارهم على المبدأ القويم. فقد قال سبحانه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). فالمفروض أن نعبده تعالى رغم كل الظروف والتراكمات السلبية المورثة أو القادمة من جراء الأعمال الخاطئة التي يمارسها الإنسان، فالإنسان لديه القدرة في صياغة نفسه بالطاعة والاستقامة مهما كانت ظروفه النفسية والوراثية والاجتماعية.

يقول سبحانه: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب). [سورة الطلاق، الآيتان 2-3].


الشبهة الثالثة: هل الشفاعة يوم القيامة من العدل الإلهي؟

لما استحق المجرمون عقاب الله عز وجل يأتي الشفيع ينقذ المجرم من العذاب برأفته ورحمته مستغلاً منزلته عند الله وبهذا تصبح رحمة الشفيع هذا أوسع من رحمة الله تعالى! فينقذ من العقاب جماعة من المذنبين لهذه الوساطة ويترك جماعة من المذنبين في العقاب الأليم. هل هذه الشفاعة وبهذه الكيفية من العدالة الإلهية؟

في الحقيقة إن هذه الشبهة وبهذا الأسلوب من الطرح نلمس فيها كثيراً من التداخلات في المفاهيم وعموماً لو سايرنا أصحاب هذه الشبهة يفترض علينا تفكيك تداخلاتها وتوضيح الرد عليها.

فالشفاعة على شكلين، شكل مرفوض شرعا وعقلاً وهذا ما يردده اكثر الناس فقد قال تعالى:

(واتقوا يوماً لا تجزى نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون). [سورة البقرة، الآية 148].

والشكل الثاني للشفاعة ما نسميه بالشفاعة المقبولة شرعاً وعقلاً وهو الشكل الثاني. فقد قال تبارك وتعالى:

(ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً). [سورة النساء، الآية 64].

فاستغفار الرسول لهم هو جزء من عناية الله ولطفه فلا تعارض بين الأمرين والإراديتين بل أن شفاعة الرسول وطلب المغفرة لهم من الله عز وجل بالنتيجة فالشفاعة بيد الله كما قال سبحانه في آية أخرى:

(ولا يشفعون إلا لمن ارتضى). [سورة الأنبياء، الآية 28].

(من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم..). [سورة البقرة، الآية 255].

إذن الشفاعة هي من الله العظيم. فهو مصدر العفو والمغفرة والتجاوز وهذه هي الشفاعة الصحيحة والمقبولة بينما الشفاعة الباطلة هي التي تنصب إرادةً ما فوق إرادة الله وأي فرق بين هذا التصور ووضع شريك الله - سبحانه - فقد قال في القرآن الكريم:

(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). [سورة النساء، الآية 116].

فالشفاعة المشروعة قد جعلها الله وسيلة للوصول إلى رضاه ومغفرته حيث قال في محكم الكتاب العزيز:

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة). [سورة المائدة، الآية 35].

فالوسائل الموصلة إلى رضوان الله تعالى من أبرزها الشفاعة المشروعة من قبل أولياء الله للمذنبين والعاصين فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً)(23).

فالحسين وسيلة شرعية بحبه يتحقق حب الله والذي يحب الله يطيعه ولا يعصيه فالسير على منهجية الإمام الحسين يعني إطاعة الحسين وطاعة الحسين تعني إطاعة النبي وإطاعة النبي إطاعة الله:

(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم). [سورة النساء، الآية 59].

وفي الرواية: (الراد عليهم كالراد علينا والراد علينا كالراد على النبي والراد على النبي كالراد على الله والراد على الله كحد الشرك به).

فإذن الشفاعة والصفح والتجاوز ضمن المقاييس الشرعية والوسائط المشروعة تصل نتيجتها إلى الله تعالى:

(قل لله الشفاعة جميعاً). [سورة الزمر، الآية 44].

(ما من شفيع إلا من بعد إذنه). [سورة يونس، الآية 3].

فالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) هو الشفيع الأول يوم القيامة لأنه وسيلة الله لعباده (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وهي ضمن المقاييس الشرعية فقد ورد - يدخل النار ولو كان سيداً قرشياً ويدخل الجنة ولو كان عبداً حبشياً -.

إذن الموازين المطلوبة ليست هي القرابة أو الأعمال السطحية وإنما بالقيم الإيمانية وضمن القنوات التي حددها سبحانه وتعالى تتم الشفاعة بإرادة الله من دون أي تأثّر أو تأثير فقد قال سبحانه في محكم الكتاب العزيز:

(الذي يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كلّ شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم). [سورة غافر(المؤمن)، الآية 7].

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة)(24).

من هنا نستخلص فكرة الشفاعة من القرآن الكريم حيث الشفاعة المشروعة عكس ما يتصور البعض أنه سينال الجنة دون صلاة وصيام والواجبات الأخرى بل بمجرد بعض المستحبات، وفي الروايات - من بكى وأبكى وتباكى غفرت ذنوبه ووجبت له الجنة، ولكن مع شرطها وشروطها. فالشفاعة حق يتحقق ضمن وسائل الله المشروعة فللمؤمن الذي يقول بيتاً من الشعر في مصاب الإمام الحسين يرزقه الله بيتاً في الجنة - من قال فينا بيتاً من الشعر رزقه الله بيتاً في الجنة - أما غير المؤمن فلا تشمله هذه الشفاعة، لأن المؤمن سلك المسلك الإلهي حيث وسيلة الله بينما غيره هو الذي نصب نفسه متوهماً في تجاوز إطاعة الله ورسوله والإتيان ببعض المستحبات لنيل الشفاعة والحال إن شفاعة النبي والأئمة هي كرامة ومنحة من الله سبحانه للنبي والقرآن فإنه شافع مشفع والأئمة الأطهار والمؤمنين الصالحين وهذه الكرامة هي من رحمة الله فلو شملت بعض العاصين فإنها تشملهم بعد استيفاء العدل الإلهي حقه من عصيانهم حيث تصفية الحساب في الدنيا أو في عالم البرزخ (القبر) أو سنوات من العذاب الأليم في الآخرة وهكذا. فإذن الشفاعة المشروعة هي عين اللطف الإلهي والعناية الإلهية والعدل الإلهي أيضا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://elfares.alafdal.net
ashraf
المدير
المدير
ashraf


عدد الرسائل : 318
العمر : 36
تاريخ التسجيل : 28/05/2007

الشبهات والرد عليها Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشبهات والرد عليها   الشبهات والرد عليها Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 12, 2007 1:06 am

الشبهة الرابعة: التكاليف الشرعية هي تناسب العدل الإلهي؟

حينما نتتبع الأحكام الشرعية نلاحظ بعض الأحيان نوعاً من القساوة والشدة والتكليف فوق الطاقة الإنسانية - حسب الرؤية الظاهرية - مثال ذلك الفتاة حينما تنهي التاسعة من عمرها يوجب عليها فرض الصلاة والصوم والواجبات الشرعية الأخرى في حين تراها في هذا العمر صغيرةً لا تتحمل حرّ الصيف في صيام شهر رمضان ومثال آخر نشاهد القسوة ظاهرة في القصاص والحدود التي تقام على الجُناة. فقطع يد السارق وجلد الزاني.. وما شابه...

كيف يمكن أن نستوعب هذه الشبهة ونوجهها إسلامياً؟ وتبدو لي أن هذه الشبهة التي يتشدق بها بعض المصلحين الغربيين والمستشرقين بالذات ودعاة السماح أولئك الذين لبسوا ملابس القديسين وحقوق الإنسان وأعلنوا دفاعهم عن كرامة وشرف الإنسان أنها انعكست - هذه الشبهة - في لا شعور مجتمعنا واصبح البعض يردد كلماتهم بأن الإنسان يخطئ فلماذا هذه الصرامة المؤذية؟ ولماذا إراقة الدماء لخطأ معين؟

والإجابة على هذا النوع من الشبهات تحتاج إلى حديث طويل ولكن نحاول أن نتحدث بالأساسيات دون الهوامش مراعاة لظروف وطبيعة هذه الرسالة وقبل الخوض في الإجابة لابد من كلمة صغيرة تفتح لنا المجال ألا وهي أننا نؤمن بأن الله سبحانه قد خلقنا وأودع فينا الغرائز والشهوات: (ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكّاها، وقد خاب من دساها..). [سورة الشمس، الآيات 7-10].

فالخالق المبدع المدبر يعلم خفايا النفس وكيف تستقيم وتهتدي وكيف ترتدع عن المنكر والمحرمات وهو الذي يعلم الأسلوب المناسب لردع الإنسان عن ارتكاب الجرائم والآثام وتكرارها لغرض تطويقها والتخلص منها بشكل جدي وقطعي لضمان الصلاح النفسي والاجتماعي فهذا الإيمان يجعلنا - طبيعياً - نقول أن الله عز وجل بتقديره الحكيم سن القوانين وحدّد موعد بلوغ الفتاة وسنّ الحدود والقصاص عن حكمة دقيقة لغرض التربية الصالحة وردع النفس الأمارة بالسوء عن المنكرات.

ومن ثم نقول إن الله ما أراد بالشريعة الإسلامية إلا الخير والمعروف والصلاح (إن الله يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) فالنبي (صلى الله عليه وآله) بعث بالشريعة السمحاء فقد قال (صلى الله عليه وآله): (إن الله عفوّ يحب العفو)(25).

فالتكاليف الشرعية ليست بحاجة إلى بذل قصارى جهد الإنسان وإنما تشكل جزءاً من وقته وجزءاً من ماله وفي فترات الجهاد قد تكلف نفسه وهذه التربية الهادفة لبناء صرح الدين في المجتمع تنفعه على المستوى الشخصي والاجتماعي أيضا فهو بحاجة إلى مثل هذه التربية الهادفة والصارمة لكي يستطيع خوض الحياة الاعتيادية بنجاح فليتحمل الإنسان من التعب والجهد والجوع والعطش والسفر إلى بيت الله الحرام والبذل المالي في الزكاة والخمس والحج. ليُمرّن نفسياً وتربوياً لتحمل الصعاب بأنواعها في الحياة ومن ثم يتهيأ للدور الأكبر لو أرادت منه العقيدة تضحيات أكثر.

أما القصاص والحدود فذلك أمر يحقق عين العدالة فلو تسامحنا عن القصاص لبقي الحق مهدوراً وهذا عين الظلم فالحدود والتعزيرات تقام مع توفر الشروط الموضوعية الإسلامية لتحقق هدفين هدف التوبيخ الشديد للجاني وللناس بشكل عام لغرض الاعتبار فإنهم يرتدعون أمام العقوبة الصارمة وهدف أخذ الثأر بالشكل المشروع من الجاني لتهدئة المجني عليه ولفض النزاع بالشكل العادل بدلاً من ترك المسألة جانباً لتتفاقم الأزمة في النفس كعقد نفسية مستعصية الحل لتنفجر في ظلم اجتماعي كبير في المستقبل.

وإضافة لذلك فإن هنالك مجال للتصالح والتنازل في بعض المرافعات المشروحة في كتب الفقه الإسلامي. مما يجعلنا نقول إن هذه التعاليم مناسبة جداً للعدل الإلهي حيث أنها لصالح الإنسان أولاً ثم البشرية ثانياً.


الشبهة الخامسة: لماذا خلقنا الله سبحانه؟

قال تعالى: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين). [سورة الأنبياء، الآية 16].

وقال في آية أخرى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). [سورة الذاريات، الآية 56].

و(الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً). [سورة الملك، الآية 2].

فإذن إن لخلق الإنسان والحيوان والكواكب والنجوم والبحار والهواء أهداف وليست المسألة عبثيّة فالله خلقنا لكي يعرف وتعرف قدرته ومن ثم ليمتحننا في الحياة الدنيا ويجزينا بالآخرة على ضوء ما نفعله في الدنيا. يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (... ما خلقهم ليجلب منهم نفعة ولا ليدفع بهم مضرة بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى نعيم الأبد).

وفي حديث آخر قال (عليه السلام): (خلقهم لإظهار حكمته ونفاذ علمه وإمضاء تدبيره).

فالإنسان مخلوق الإلهي متميّز وفّر له الله عز وجل طاقات كبيرة لتسخير قوانين الطبيعة لصالحه ولعمارة الكون بعمله وعبادته لله تعالى.


الشبهة السادسة: العذاب والبلاء والنكبات على المؤمنين والطيبين - غالباً - لماذا؟

قال سبحانه: (الم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين). [سورة العنكبوت، الآيات 1-3].

للعذاب والابتلاء في الدنيا أكثر من هدف ومن الأهداف الرئيسية اكتشاف المؤمن الصابر على البلاء فالفتنة والامتحان العسير والابتلاء كل ذلك يكشف الجوهر الذاتي للإنسان ويميزه على المظهر ففي الرواية: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، سجنه قياساً بالآخرة حيث الجنة والأرزاق فمحل السجن أي الدنيا محل الابتلاء والاختبار. ومن الأهداف نيل الأجر والثواب في الآخرة - وكما فسّرنا سابقاً - أن الدنيا والآخرة وجهان للحياة العامة الواحدة فالآخرة امتداد للدنيا والدنيا مزرعة الآخرة.

أما منطوق الشبهة بأن العذاب على المؤمنين - غالباً - فهو غير دقيق وإن كان كذلك فهو للاختبار كما قلنا والمؤمن كما يصفه الإمام علي (عليه السلام): (وقور عند الهزاهز، ثبوت عند المكاره، صبور عند البلاء، شكور عند الرضا... الناس منه في راحة ونفسه منه في تعب)(26).


الشبهة السابعة: الدعاء على الظالمين لماذا لا يستجاب دائماً؟

الدعاء وسيلة للتعبير عما يجري في داخل النفس وطموحاتها والقرار النهائي بيد الله عز وجل فمن المشهور في الحديث القدسي: (الظالم سيفي انتقم به وانتقم منه) وورد في الحديث (كيفما تكونوا يولّ عليكم) وفي الرواية: إن تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يولى عليكم شراركم فتدعون فلا يستجاب لكم.

إذن للدعاء مفاتيحه المشروعة وأرضيته المطلوبة فإن اكتفى المجتمع بالدعاء اللفظي دون العمل الصالح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فمن الطبيعي ألاّ يستجاب دعاء الداعي أو أن هنالك ظروف موضوعية بالمجتمع يرى الله سبحانه من الصالح بقاء الظالم على ظلمه إلى إشعار آخر. أما الداعين العاملين فيدعون ربهم من باب:

(وقال ربكم ادعوني استجب لكم). [سورة غافر، الآية 60].

لهم أجرهم في نجاح أعمالهم وقبول دعواتهم ولكن للظروف الموضوعية القائمة تؤجل الاستجابة ولربما لصالح المجتمع المؤمن ذاته ونحن لا نعرف ذلك.

وهذا الحديث يجرنا إلى أن الأعمال الصالحة من غير المسلمين المؤمنين هل تلقى أثراً حسناً عند الله ما دام أن دعاء المؤمنين غير الآمرين بالمعروف لا يلقى أثراً مناسباً.

والحقيقة أن القرار النهائي بالقبول وعدمه بيد الله سبحانه والملاحظ أن الأعمال الصالحة من البر والإحسان الصادرة من المؤمنين بالله والحساب والعقاب تصعد إلى درجة القبول عند الله بشرط النية المخلصة ولو كانت النية قلقة الإخلاص فنسبة القبول بيد الله تعالى حسب نسبة القلق التي لا يضبطها سواه (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) كما قال القرآن الكريم في سورة غافر، الآية 19.

أما أعمال البر والإحسان كإنشاء المستشفيات وبناء الجسور للخدمات العامة لجميع الناس هذه الأعمال الصادرة من غير المؤمنين فالأمر يعود إلى الله المدبر المقدر حيث يميّز نياتهم فإن كانت النية لوجه الله الكريم فإنها تساهم في تخفيف عذابهم وإسعادهم في الدنيا بالذات والمهم في المسألة أنها تربط بالنية القلبية وهم يفدون على الحي الكريم فإن كان عدم الإيمان صادر من تعصب وعناد أو كان من قصور لا تقصير فالمسألة فيها تمييز ومميزها حساب الله الدقيق:

(يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). [سورة الشعراء، الآيتان 88-89].

وهكذا تنسحب المسألة على المخترعين الذين أفادوا البشرية بخدماتهم والآية الكريمة تقول:

(يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات). [سورة المجادلة، الآية 11].

فللمؤمن درجة وللمؤمن العالم درجات كما يذهب العلامة الطباطبائي في ميزانه فربما يجزي الله ذلك العالم غير المؤمن الذي خدم البشرية بعلمه جزاءً حسناً في الدنيا فيهيّئ له أسباب المعيشة الدنيوية بعيدة عن المنغصات.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://elfares.alafdal.net
 
الشبهات والرد عليها
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الفارس العالمى :: :: منتدى الاسلاميات:: :: منتدى القصص الاسلامية-
انتقل الى: